قال تعالى:(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (32) سورة الحج. إن هذه الآية تشير إلى أن تقوى القلوب تنعكس في تعظيم شعائر الله، ومن شعائر الله البلد الحرام..... والذي يوجد في أو يتطابق مع مفهومنا لمكة المكرمة والمسجد الحرام بما في ذلك القيم السامية والتي هي جزء من معتقداتنا الإسلامية الإنسانية التي مورست واقعيا في حقبة من الزمن وأعطت مثلا للبشرية زاد من المعتنقين لها والمعجبين بها مثل: التسامح والانضباط والنظافة والاهتمام والتضحية واحترام الآخرين واحترام المكان والزمان وغيرها، وكذلك الامتناع عن السلوك السلبي أو حتى مجرد التفكير فيه. وقال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج. هذه الآية تشير بوضوح إلى أن من يريد (أي ينوي فقط) عمل إساءة في مكة فله عذاب أليم فكيف بمن يعمل عملاً سيئاً أو غير مؤدب مع عظمة هذا البلد؟ وقد دأب القائمون على رعاية الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة منذ تاريخهما على الاهتمام والحرص علي تعظيمهما ورعايتهما وزوارهما والساكنين فيهما، بل إن مشركي مكة كانوا يحتفون بالحجاج والمعتمرين ويفتحون لهم بيوتهم ويكرمونهم ويقدمون لهم كل حفاوة إجلالاً وتعظيماً للبلد الحرام، وهكذا استمر الاهتمام والتعظيم وأخذ صوراً وأشكالاً متعددة وعلى وجه الخصوص من الحكومات والدول فنجد أكبر وأهم إنجاز للحرم بل وللحرمين الشريفين وما حولها تمت وتتم في العهد السعودي.
البلد: تم ذكره ثلاث مرات في القرآن الكريم ، وقد سمي البلد الحرام بذلك الاسم لأنه يعتبر كصدر القري.
أما الأهالي وساكنو مكة وما حولها فهم كسائر البشر بعواطفهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وميولهم وحاجاتهم وتقلبات أحوالهم، يصدر منهم سلوكيات حسنه مناسبة للاحترام والأدب والتعظيم مع البلد الحرام و يدركون قيمة وعظمة وقدسية ومعنى السكن فيه وحرمته وما يترتب على ذلك من سلوك وأفعال سواء بالتوارث أو بالمعايشة والعلم بمعني القدسية لهذا المكان. إلا أن البعض من الذين يقطنون هذا البلد أو الزائرين والمعتمرين له لا يدركون المعاني والقيم التي يفرضها بقاؤهم وسكنهم في مكة فيصدر منهم ما يتعارض مع تلك القيم والمعاني؛ سواء في سلوكهم المعتاد أو تفاعلهم مع الآخرين الأمر الذي يستوجب باستمرار التذكير والتنشئة السليمة لما يتوازى ويتماشى مع مقتضيات هذه القدسية. إنه لا يمكن رصد وحصر والحديث عن كل الجهود التي تمت وتتم في العهد السعودي، ولكن يمكن اختيار بعض الأمثلة من جهود مميزة تختلف عن كل الجهود التي اعتدنا نسمع عنها ونلمسها ونشاهد آثارها كل عام من تطوير للمسجد الحرام والمشاعر المقدسة والمسجد النبوي وما يرتبط بها من أماكن مقدسة، إلا إن هذه الجهود لا تأتي ثمارها إلا برفع مستوى الوعي والعلم والثقافة والسلوك التي يمارسها ويتفاعل بها الساكنون والقاطنون في هذه الأماكن المقدسة لما يقتضيه واجب الدين وبالتحديد الأدب والتحلي بسلوك ديني وحضاري في هذه الأماكن والمشاعر التي تحلى بها النموذج من السلف في العصر الذهبي للإسلام والتي زادت من انتشار الإسلام والاعتزاز بالقيم الإسلامية.
وانطلاقاً مما يعلمه الجميع من إدراك قيادة هذه الدولة الرشيدة بجميع مستوياتها بأثر هذا البلد وهذا البيت في حفظ أمن واستقرار الدولة فإن مشروع تعظيم البيت الحرام يعد أحد الروافد المهمة في حياة الأمة ومستقبل الدولة. لذا ينبغي النظر إليه نظرة خاصة، ودعمه وتطويره حتى يحقق أهدافه وتطلعاته وأبعاده الحضارية. ومن مقترحات الدعم والتطوير: 1) نقل المشروع من تبعيته لجمعية مراكز الأحياء إلى الاستقلالية ليصبح مشروعاً مستقلاً بذاته، ومرتبطاً بإمارة منطقة مكة المكرمة مباشرة. 2) توفير الوظائف الإدارية الحكومية للمشروع، والمرتبطة بوزارة الخدمة المدنية مباشرة، أو تكون هذه الوظائف ضمن وظائف إمارة مكة المكرمة. 3) تخصيص ميزانية مالية سنوية للمشروع، مثل باقي المشروعات والقطاعات الحكومية، دون الاعتماد فقط على دعم رجال الأعمال والمحسنين. 4) أن ينشئ للمشروع مبنى متكاملا، ووفق المواصفات الحديثة في الإنشاءات العمرانية، حتى يتناسب المبنى مع أهداف المشروع وتطلعاته وأبعاده الحضارية. 5) أن يندب للمشروع عددٌ من الكفاءات الوطنية العلمية والإدارية من الجهات الحكومية الأخرى، تسهم مع العاملين فيه في تطويره وتكثيف برامجه وإيصال رسالته لأفراد المجتمع المكي والسعودي، نقل هذه الرسالة للعالم الإسلامي.