فمن رزق هذه الأشياء رقته إلى الكمال, و ظهر عنه أشرف الخلال, و إن نقصـت خلةٌ أوجبت النقص. ثالثاً ؛ شروط العفة و تمام العفة.. شروط العفة: و أعلم أنه لا يكون المتعفف عفيفاً غلا بشرائط: و هي أن لا يكون تعففه عن الشيء انتظاراً لأكثر منه أو لأنه لا يوافقه, او لجمود شهوته, او لاستشعار خوف من عاقبته, أو لأنه ممنوع من تناوله, أو لأنه غير عارف به لقصوره فإن ذلك كله ليس بعفةٍ بل هـو إما اصطياد, أو تطبب او مرض او خرم أو عجز أو جهل, و ترك ضبط النفس عن الشهوة أذم من تركها عن الغضب. فالشهوة مغتالة مخادعة, و الغضب مغالب و المتحيز عن قتال المخادع أردأ حالاً من المتحيز عن قتال المغالب. و لهذا قيل عبد الشهوة أذل من عبدالرق, و ايضاً بالشره قد يجهل عيبه فهو شبيه بأهل مدينة لهم سنة رديئة يتعاطونها و هم يعرفون قبحها, و ليس من تعاطى قبيحاً يعرفه كمن يتعاطاه و هو يظنه حسناً. تمام العفة: لا يكون الإنسان تام العفة حتى يكون عفيف اليد و اللسان و السمع و البصر فمن عدمها في اللسان السخرية, و التجسس و الغيبة و الهمز و النميمة و التنابز بالألقاب, و من عدمها في البصر: مد العين إلى المحارم و زينة الحياة الدنيا و المولدة للشهوات الرديئة, و من عدمها في السمع: الإصغاء إلى المسموعات القبيحة.
[٣] وقيل أيضا هي: (ضبط النفس عن الملذات الحيوانية، وهي حالة متوسطة بين الإفراط وهو الشره والتفريط وهو جمود الشهوة). [٤] أنواع العفة تُقسم العفة إلى نوعين رئيسين، وبهما يمكن تمييز المسلم الملتزم بأخلاق الإسلام عن غيره من الناس: [٥] النوع الأول: العفة عن المحارم، ويُقصد بها الكف عن محارم المسلمين، من الدم والمال والعرض، وهذه العفة نوعان عند العلماء، الأول: ضبط الفرج عن الحرام؛ أي عدم الاقتراب الفعلي من الحرام سواء بالزنا أو ما قاربه من المحرمات، والثاني كفّ اللسان عن الأعراض؛ أي من الفحش والتفحش بالكلام كالغيبة والنميمة، والخوض في أعراض الناس، وغير ذلك. النوع الثاني: العفة عن المآثم والمعاصي، وهي نوعان: الكف عن المجاهرة بالظلم ؛ أي الكف عن ظلم الناس جهاراً نهاراً، وعدم الخوف من الله تعالى عند ظلم الناس، وعدم الاعتراف بظلمهم مع علم الظالم في سريرة نفسه أنه ظالم، وكفّ النفس عن الإصرار على الخيانة، سواء كان ذلك في الظاهر أو الباطن؛ في الظاهر أمام الناس، وفي الباطن في سريرة نفسه. العفة في القرآن الكريم جاء ذكر العفة في نصوص القرآن الكريم في مواطن كثيرة، وفي حالات متعددة ومن هذه النصوص: قال الله سبحانه وتعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [٦] في الآية الكريمة بيّن الله تعالى صفات فقراء المهاجرين الذين يستحقون الصدقات ولتعففهم يحسبهم من لا يعرف بأحوالهم أغنياء غير محتاجين للصدقات، لأنهم لا يسألون الناس حاجتهم، ولا يُظهرون احتياجهم.