- والخلاصة: أن الطبل محرم في أي حال وعلى كل أحد لأنه من المعازف التي لم تُستثن من الأصل، وأما الدف فهو من المعازف المحرم على الرجال الضرب بها على أي حال وفي أي مناسبة ورُخِّص فيه للنساء وللصغيرات خاصة، أما سماعه للرجال من الصغيرات فهو مباح في الأعراس والأعياد فقط، وعليه فسماعه رجالاً أو نساءً من أشرطة الكاسيت أو غيرها في غير هاتين المناسبتين محرم لا يجوز. والله أعلم
قال صلى الله عليه وسلم (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون ارجع علينا غداً فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)..
5- وقال الحافظ ابن رجب في فتح الباري ( 6/82): " ولهذا كان جمهور العلماء على أن الضرب بالدف للغناء لا يباح فعله للرجال؛ فإنه من التشبه بالنساء، وهو ممنوع منه، هذا قول الأوزاعي وأحمد، وكذا ذكر الحليمي وغيره من الشافعية... فأما الغناء بغير ضرب دف، فإن كان على وجه الحداء والنصب فهو جائز. وقد رويت الرخصة فيه عن كثير من الصحابة ". 6- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: " واستدل بقوله: "واضربوا" على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن " فتح الباري ( 9/185). 7- وقال الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي: " حكى الإمام البيهقي عن شيخه الإمام الحليمي - ولم يخالفه - أنَّا إذ أبحنا الدف فإنما نبيحه للنساء خاصة. أ. هـ. وعبارة منهاجه: وضرب الدف لا يحل إلا للنساء لأنه في الأصل من أعمالهن وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء " ( كف الرعاع للهيتمي 2/292) وقال: "... إن جماعة كثيرين من أصحابنا قالوا بحرمته - يعني الدف - في غير العرس و الختان بل اعترض تصحيح الشيخين إباحته في غيرهما بأن الذي نص عليه الشافعي - رضي الله عنه - وعليه جمهور أصحابه أنه حرام في غيرهما... وأما الإباحة مطلقاً فلا دليل عليها والاستدلال له بلعب الجواري به ضعيف، لأنهم سومحن بما لم يسامح به المكلفون " ( كف الرعاع 2/291) أما الختان فلا أعلم فيه حديثاً يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أثراً عن صحابي.
· وقال علي رضي الله عنه أيضًا: «أدنى ما يستحل به الفرج عشرة دراهم» ، أي ما يجعله حلالا ، لا أنه ما به يستباح الحرام. ب- يستدلون باقتران المعازف بمحرمات أخرى ، وهي الزنا والحرير والخمر ، ويقولون: هذا الاقتران هو الذي يجعل لفظ (الاستحلال) هنا دالا على التحريم. وهذا فيه نظر قوي ؛ لأنهم لم ينتبهوا أن ما سوى الخمر مما ذُكر في هذا الحديث ليس تحريمه تحريما مطلقا: فـ(الحر) هو الفرج ، والفروج ليست كلها محرمة ، بل منها ما يحل (بالزواج وملك اليمين) ومنها ما يحرم (بغير ذلك). فلو كان لفظ الاستحلال يدل على التحريم ، لوجب تقييد هذا اللفظ: بأن المقصود به: يستحلون ما حرم الله من الفروج. وكذلك الحرير: فهو مباح للنساء ، ومباح منه للرجل قدر أربع أصابع. فينبغي تقدير الحديث على أنه أراد: يستحلون ما حرم من الحرير. فلماذا لا تكون المعازف كذلك ، ويكون تقدير الحديث: ويستحلون ما حرم من المعازف والغناء ؛ إذ لا شك أن من الغناء ما يحرم ، كما لو صاحبه فحش من قول أو فعل. فإن قيل: ولماذا لا يصح ذلك في الخمر أيضا ؟ والجواب: أن الخمر ثبت تحريمها بالقرآن والسنة في نصوص أخرى ، وليس فيها شيء مباح وشيء محرم، ودلت نصوص عديدة على ذلك ، ولذلك لا يمكن فيها ذلك.
وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِي الْعِلَّةِ فَيَثْبُتُ التَّسَاوِي مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ، لَا مِنْ جِهَةِ الْقِرَانِ. احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا أَنَّ اللَّمْسَ حَدَثٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ النساء/43. وَمِثْلُهُ عَطْفُ الْمُفْرَدَاتِ. وَاحْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ عَلَى إيجَابِ الْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ البقرة/196 ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْوُجُوبُ أَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، لِأَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْحَجِّ ". انتهى وهنا في هذا الحديث قرن الثلاثة في قوله " يستحلون " ، فعاد الأمر على كل واحد منها على حدة. ثانيا: أن قوله:" يستحلون ": لا يصح حملها على المجموع قولا واحدا ، وقد جاء في القرآن ما يوضح ذلك كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا الفرقان/68. قال البغوي في تفسيره "معالم التنزيل" (6/96):" قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَيْ: شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ ".
§ وأبوداود: (باب في الدَّاذيِّ) ، و(باب ما جاء في الخز) ، وتعقبه بقوله: « قال أبو داود: عشرون نفسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقل أو أكثر لبسوا الخز». ولو كان الحديث عند أبي داود دالا على تحريم المعازف لأورده في الباب الذي بوب فيه لحكم المعازف ، وهو: (باب كراهية الغناء والزمر). بل الغريب أن أبا داود لم يذكر حديث البخاري في هذا الباب أصلا ، ولو كان عنده صحيحا ودلا على تحريمها لوجب عليه وفق شرطه أن يذكره ؛ لأنه اشترط على نفسه أن يورد أصح ما في الباب. ولوجب عليه ذلك أكثر ؛ لأنه لم يورد في (باب كراهية الغناء والزمر) إلا حديثين هو نفسه ضعفهما. · ضعف الأول صراحة ، وهو حديث ابن عمر وزمارة الراعي وضعفه. · وضعف الثاني ، وهو حديث ابن مسعود: سمعت عبد الله يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الغناء ينبت النفاق في القلب" ، من خلال إخراج الوجه الضعيف منه ، وهو المرفوع ، وبإسناد ظاهر الضعف بسبب الإنقطاع الظاهر فيه ، فهو من رواية سلام بن مسكين، عن شيخ شهد أبا وائل في وليمة، فجعلوا يغنون، فحل أبو وائل حبوته، وقال:سمعت عبد الله يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الغناء ينبت النفاق في القلب" ولو كان حديث المعازف صحيحا عند أبي داود وصريحا على تحريمها ، لوجب عليه إيراده في هذا الباب ، خاصة وهو نفسه قد أخرجه في بابين آخرين (كما سبق).
وأما الأحاديث الوارد فيها الأمر بصيغة الجمع كحديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه { واضربوا عليه بالدف} ، وحديث معاذ - رضي الله عنه - وفيه { دففوا على رأس صاحبكم} ، وحديث أنس - رضي الله عنه - وفيه { اضربوا على رأس صاحبكم}. فكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة. إذاً فالدف أبيح استثناءً من الأصل وللنساء والصغار فقط كما تقدم. وقد تتبعت جميع الأحاديث التي أباحت استخدام الدف فكانت كلها للنساء والصغار ولا تخلو من حالتين: العرس والعيد وهناك حالة ثالثة فيها خلاف بين أهل العلم سيأتي الكلام عنها مفصلاً وهي عند قدوم غائب. فمن الأحاديث التي أباحته في العرس حديث الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - قالت { دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة بُنِيَ عَلَيَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف.. } رواه البخاري. ومن الأحاديث التي أباحته في العيد: { حديث عائشة أن أبا بكر - رضي الله عنهما - دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى} رواه البخاري بل إنَّ جميع ما ورد في الأحاديث الصحيحة الصريحة في استخدام الدف، إنما كان من الجويريات الصغيرات، إلا حديث بريدة - رضي الله عنه - وسيأتي الكلام عنه.